الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
تنبيه:قال المفسرون: أراد شعراء الكفار كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مقاتل أسماءهم فقال: منهم عبد الله بن الزبعري السهميّ وهبيرة بن أبي وهب المخزوميّ وشافع بن عبد مناف وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحيّ وأمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب والباطل وقالوا: نحن نقول كما قال محمد وقالوا الشعر واجتمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين هجوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويروون عنهم قولهم: فذلك قوله تعالى: {يتبعهم الغاوون} وهم الرواة الذين يروون هجاء المسلمين، وقال قتادة: هم الشياطين، ثم.إنه تعالى لما وصف شعراء الكفار بهذه الأوصاف، استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجتنبون شعر الجاهلية ويهجون الكفار وينافحون عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، منهم: حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، فقال تعالى: {إلا الذين آمنوا} أي: بالله ورسوله {وعملوا} أي: تصديقًا لإيمانهم {الصالحات} أي: التي شرعها الله تعالى ورسوله {وذكروا الله} مستحضرين ما له من الكمال {كثيرًا} أي: لم يشغلهم الشعر عن الذكر، روي أنّ كعب بن مالك قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إنّ الله قد أنزل في الشعر ما أنزل، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل» وعن أنس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:
فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول شعرًا فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «خل عنه يا عمر فهي أسرع فيهم من نضح النبل» وعن البراء أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم قريظة لحسان: «اهج المشركين فإنّ جبريل معك» وعن عائشة رضي الله عنها قالت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اهجوا قريشًا فإنه أشدّ عليهم من رشق النبل» فأرسل إلى ابن رواحة فقال اهجهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فقال حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد ثم أدلع لسانه فجعل يحرّكه فقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تعجل فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإنّ لي فيهم نسبًا حتى يخلص لك نسبي» فأتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله لقد أخلص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما يسلّ الشعر من العجين، قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤدّيك ما نافحت عن الله ورسوله» قالت وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هجاهم حسان فشفى وأشفى» قال حسان: وورد في مدح الشعر عن أبيّ بن كعب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ من الشعر حكمة» وعن ابن عباس قال: جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «هل معك من شعر أمية ابن أبي الصلت شيء؟ قال: نعم قال هيه، فأنشده بيتًا فقال هيه حتى أنشده مائة بيت» وعن جابر بن سمرة قال: جالست رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مئة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون شيئًا من أمر الجاهلية فربما تبسم معهم وعن عائشة: الشعر كلام فمنه حسن ومنه قبيح فخذ الحسن ودع القبيح، وعن: الشعبيّ كان أبو بكر يقول الشعر وكان عمر يقول الشعر وكان عليّ أشعر الثلاثة، وعن ابن عباس: أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزوميّ واستنشده القصيدة التي أوّلها: فأنشد ابن ربيعة القصيدة. إلى آخرها وهي قريبة من سبعين بيتًا، ثم إنّ ابن عباس أعاد القصيدة جميعًا وكان حفظها بمرّة واحدة. ثم بين سبحانه وتعالى ما حمل المؤمنين على الشعر وهو انتصارهم من المشركين بقوله تعالى: {وانتصروا} أي: بهجوهم الكفار {من بعدما ظلموا} بهجو الكفار لهم لأنهم بدؤا بالهجاء، ثم أوعد شعراء المشركين وغيرهم من الكفار بقوله تعالى: {وسيعلم الذين ظلموا} بالشرك وهجو رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {أي منقلب} أي: مرجع {ينقلبون} أي: يرجعون بعد الموت، قال ابن عباس: إلى جهنم والسعير، وفي هذا تهديد شديد لما في سيعلم من الوعيد البليغ، {وفي الذين ظلموا} من الإطلاق والتعميم وفي {أيّ منقلب ينقلبون} من الإبهام والتهويل، وقد تلا أبو بكر لعمر رضي الله عنهما حين عهد إليه هذه الآية.اللهمّ اجعلنا ممن جعل هذه الآية بين عينيه فلم يغفل عنها، وروى الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت السورة التي تذكر فيها البقرة من الذكر الأوّل وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التي تذكر فيها البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة» وعن أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله أعطاني السبع مكان التوراة وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهنّ نبيّ قبلي» وما رواه البيضاويّ تبعًا للزمخشريّ من أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدّق بمحمد صلى الله عليه وسلم» حديث موضوع. اهـ. .قال الشوكاني في الآيات السابقة: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)}.قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين} الضمير يرجع إلى ما نزله عليه من الأخبار أي وإن هذه الأخبار أو وإن القرآن، وإن لم يجر له ذكر للعلم به، قيل: وهو على تقدير مضاف محذوف أي: ذو تنزيل، وأما إذا كان تنزيل بمعنى منزل فلا حاجة إلى تقدير مضاف قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم: {نَزَّلَ} مخففًا، وقرأه الباقون مشدّدًا، و{والروح الأمين} على القراءة الثانية منصوب على أنه مفعول به، وقد اختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد، والروح الأمين جبريل، كما في قوله: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ} [البقرة: 97]، ومعنى {على قَلْبِكَ}: أنه تلاه على قلبه، ووجه تخصيص القلب، لأنه أوّل مدرك من الحواس الباطنة.قال أبو حيان: إن {على قلبك}، ولتكون متعلقان بنزل، وقيل: يجوز أن يتعلقا بتنزيل، والأوّل أولى، وقرىء: {نزّل} مشدّدًا مبنيًا للمفعول، والفاعل هو الله تعالى، ويكون الروح على هذه القراءة مرفوعًا على النيابة {لِتَكُونَ مِنَ المنذرين} علة للإنزال أي أنزله لتنذرهم بما تضمنه من التحذيرات والإنذارات والعقوبات.{بِلِسَانٍ عَرَبِىّ مُّبِينٍ} متعلق بالمنذرين أي لتكون من المنذرين بهذا اللسان، وجوّز أبو البقاء أن يكون بدلًا من {به}، وقيل: متعلق بنزل، وإنما أخر للاعتناء بذكر الإنذار، وإنما جعل الله سبحانه القرآن عربيًا بلسان الرسول العربي لئلا يقول مشركو العرب: لسنا نفهم ما تقوله بغير لساننا فقطع بذلك حجتهم وأزاح علتهم ودفع معذرتهم.{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين} أي إن هذا القرآن باعتبار أحكامه التي أجمعت عليها الشرائع في كتب الأوّلين من الأنبياء، والزبر: الكتب، الواحد زبور، وقد تقدّم الكلام على تفسير مثل هذا.وقيل: الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد بكون القرآن في زبر الأوّلين: أنه مذكور فيها هو نفسه، لا ما اشتمل عليه من الأحكام، والأوّل أولى.{أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إسراءيل} الهمزة للإنكار، والواو للعطف على مقدّر كما تقدّم مرارًا، والآية العلامة والدلالة أي ألم يكن لهؤلاء علامة دالة على أن القرآن حق، وأنه تنزيل ربّ العالمين.وأنه في زبر الأوّلين، {أن يعلمه علماء بني إسرائيل} على العموم، أو من آمن منهم كعبد الله بن سلام، وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين؛ لأنهم كانوا يرجعون إليهم ويصدّقونهم.قرأ ابن عامر {تكن} بالفوقية، {وآية} بالرفع على أنها اسم كان، وخبرها أن يعلمه إلخ، ويجوز أن تكون تامة، وقرأ الباقون: {يكن} بالتحتية، و{آية} بالنصب على أنها خبر {يكن}، واسمها {أن يعلمه} الخ، قال الزجاج: {أن يعلمه} اسم {يكن}، و{آية} خبره.والمعنى: أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل أن محمدًا نبيّ حقّ علامة ودلالة على نبوّته؛ لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم، وكذا قال الفراء، ووجها قراءة الرفع بما ذكرنا.وفي قراءة ابن عامر نظر، لأن جعل النكرة اسمًا، والمعرفة خبرًا غير سائغ، وإن ورد شاذًا في مثل قول الشاعر:وقول الآخر: ولا وجه لما قيل: إن النكرة قد تخصصت بقولهم: {لَهُمْ} لأنه في محل نصب على الحال والحال صفة في المعنى؛ فأحسن ما يقال في التوجيه: ما قدّمنا ذكره من أن {يكن} تامة {وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الأعجمين} أي لو نزلنا القرآن على الصفة التي هو عليها على رجل من الأعجمين الذي لا يقدرون على التكلم بالعربية.{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم} قراءة صحيحة {مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} مع انضمام إعجاز القراءة من الرجل الأعجميّ للكلام العربيّ إلى إعجاز القرآن.وقيل: المعنى: ولو نزّلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم، فقرأه عليهم بلغته لم يؤمنوا به، وقالوا: ما نفقه هذا، ولا نفهمه، ومثل هذا قوله: {وَلَوْ جعلناه قُرْءَانًا أعْجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصّلَتْ ءاياته} [فصلت: 44] يقال: رجل أعجم، وأعجميّ: إذا كان غير فصيح اللسان، وإن كان عربيًا، ورجل عجمي: إذا كان أصله من العجم، وإن كان فصيحًا، إلاّ أن الفراء أجاز أن يقال: رجل عجميّ بمعنى أعجميّ، وقرأ الحسن: {على بعض الأعجميين} وكذلك قرأ الجحدري.قال أبو الفتح بن جني: أصل الأعجمين: الأعجميين، ثم حذفت ياء النسب، وجعل جمعه بالياء والنون دليلًا عليها.{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين} أي مثل ذلك السلك سلكناه أي أدخلناه في قلوبهم: يعني: القرآن حتى فهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه معجز.وقال الحسن وغيره: سلكنا الشرك والتكذيب في قلوب المجرمين.وقال عكرمة: سلكنا القسوة، والأوّل أولى، لأن السياق في القرآن، وجملة: {لاَ يُؤْمِنُونَ} تحتمل وجهين: الأوّل: الاستئناف على جهة البيان والإيضاح لما قبلها.والثاني: أنها في محل نصب على الحال من الضمير في {سلكناه}، ويجوز أن يكون حالًا من {المجرمين}.وأجاز الفراء الجزم في {لا يؤمنون}، لأن فيه معنى الشرط، والمجازاة، وزعم أن من شأن العرب إذا وضعت لا موضع كيلا مثل هذا ربما جزمت ما بعدها، وربما رفعت، فتقول: ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم؛ لأن معناه: إن لم أربطه ينفلت، وأنشد لبعض بني عقيل: بالرفع، ومن الجزم قول الآخر: قال النحاس: وهذا كله في {لا يؤمنون} خطأ عند البصريين، ولا يجوز الجزم بلا جازم {حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} أي لا يؤمنون إلى هذه الغاية، وهي مشاهدتهم للعذاب الأليم: {فَيَأْتِيَهُم} العذاب {بَغْتَةً} أي: فجأة والحال أنهم {لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانه، وقرأ الحسن: {فتأتيهم} بالفوقية: أي الساعة، وإن لم يتقدّم لها ذكر، لكنه قد دلّ العذاب عليها.{فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} أي مؤخرون، وممهلون، قالوا هذا تحسرًا على ما فات من الإيمان، وتمنيا للرجعة إلى الدنيا، لاستدراك ما فرط منهم.
|